المختصر في تفسير الكريم
سُورَةُ الوَاقعَة
– مَكيّة-
[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
التخويف بيوم القيامة، وتحقق وقوعه وأصناف الناس فيه وبيان جزاء كل منهم.
[التَّفْسِيرُ]
1 – إذا قامت القيامة لا محالة.
2 – لن توجد نفس تكذّب بها كما كانت تكذّب في الدنيا.
3 – خافضة للكفار الفجار بإدخالهم في النار، رافعة للمؤمنين المتقين بإدخالهم في الجنة.
4 – إذا حُرِّكت الأرض تحريكًا عظيمًا.
5 – وفُتِّتت الجبال تفتيتًا.
6 – فكانت من التفتيت غبارًا منتشرًا لا ثبات لها.
7 – وكنتم أصنافًا ثلاثة في ذلك اليوم:
8 – فأصحاب اليمين الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ما أعلى وأعظم منزلتهم!
9 – وأصحاب الشمال الذين يأخذون كتبهم بشمائلهم، ما أخسّ وأسوأ منزلتهم!
10 – والسابقون بفعل الخيرات في الدنيا هم السابقون في الآخرة لدخول الجنة.
11 – أولئك هم المقربون عند الله.
12 – في جنات النعيم، يتنعمون بأصناف النعيم.
13 – جماعة من هذه الأمة ومن الأمم السابقة.
14 – وقليل من الناس في آخر الزمان هم السابقون المقربون.
15 – على أَسِرّة منسوجة بالذهب.
16 – متكئين على هذه الأسرّة متقابلين بوجوههم، لا ينظر أحدهم قفا غيره.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دوام تذكر نعم الله وآياته سبحانه موجب لتعظيم الله وحسن طاعته.
• انقطاع تكذيب الكفار بمعاينة مشاهد القيامة.
• تفاوت درجات أهل الجنة بتفاوت أعمالهم.
(1/534)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
17 – يدور عليهم لخدمتهم وِلْدان لا ينالهم هَرَم ولا فناء.
18 – يدورون عليهم بأقداح لا عُرَا لها، وأباريق لها عُرًا، وكأس من خمر جارية في الجنة لا تنقطع.
19 – ليست كخمر الدنيا، فلا يلحق شاربها صداع ولا ذهاب عقل.
20 – ويدور عليهم هؤلاء الوِلْدان بفاكهة مما يختارون.
21 – ويدورون بلحم طير مما تشتهيه أنفسهم.
22 – ولهم في الجنة نساء واسعات العيون في جمال.
23 – كأمثال اللؤلؤ المَصُون في صَدَفه.
24 – ثوابًا لهم على ما كانوا يعملونه من الأعمال الصالحات في الدنيا.
25 – لا يسمعون في الجنة فاحش كلام، ولا ما يلحق صاحبه إثم.
26 – لا يسمعون إلا سلام الملائكة عليهم، وسلام بعضهم على بعض.
27 – وأصحاب اليمين، ما أصحاب اليمين؟ يالعظمة مكانتهم وشأنهم عند الله.
28 – في سِدْر مقطوع الشوك، لا أذى فيه.
29 – وفي موز متراكم مصفوف بعضه إلى بعض.
30 – وظل ممدود مستمرّ لا يزول.
31 – وماء جار لا يتوقف.
32 – وفاكهة كثيرة لا تنحصر.
33 – لا تنقطع عنهم أبدًا، فليس لها موسم، ولا يحول دونها مانع في أي وقت أرادوها.
34 – وفرش مرفوعة عالية توضع على الأسرّة.
35 – إنا أنشأنا الحور المذكورات إنشاءً غير مألوف.
36 – فصيّرناهنّ أبكارًا لم يُلْمَسن من قبل.
37 – مُتَحَبِّبات إلى أزواجهنّ، مستويات في السنّ.
38 – أنشأناهنّ لأصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم ذات اليمين علامة على سعادتهم.
39 – هم جماعة من أمم الأنبياء السابقين.
40 – وجماعة من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وهي آخر الأمم.
41 – وأصحاب الشمال، ما أصحاب الشمال؟ يالسوء حالهم ومصيرهم.
42 – في رياح شديدة الحرارة، وفي ماء شديد الحرارة.
43 – وفي ظل دخان مُسْودٌ.
44 – لا طيّب الهبوب، ولا حسن المنظر.
45 – إنهم كانوا قبل ما صاروا إليه من العذاب مُتَنَعِّمين في الدنيا، لا هَمَّ لهم إلا شهواتهم.
46 – وكانوا يصممون على الكفر بالله وعبادة الأصنام من دونه.
47 – وكانوا ينكرون البعث فيقولون استهزاءً واستبعادًا له: أإذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا نَخِرة أنبعث بعد ذلك؟!
48 – أَوَ يبعث آباؤنا الأولون الذين ماتوا قبلنا؟!
49 – قل -أيها الرسول- لهؤلاء المنكرين للبعث: إن الأولين من الناس والمتأخرين منهم.
50 – سيُجْمعون يوم القيامة لا محالة للحساب والجزاء.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• العمل الصالح سبب لنيل النعيم في الآخرة.
• الترف والتنعم من أسباب الوقوع في المعاصي.
• خطر الإصرار على الذنب.
(1/535)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
51 – ثم إنكم -أيها المكدبون بالبعث، الضالون عن الصراط المستقيم-.
52 – لآكلون يوم القيامة من ثمرِ شجرِ الزَّقُّوم، وهو شرّ ثمر وأخبثه.
53 – فمالئون من ذلك الشجر المُرِّ بطونكم الخاوية.
54 – فشاربون عليه من الماء الحار الشديد الحرارة.
55 – فمكثرون من شربه كما تكثر الإبل من الشرب بسبب داء الهُيَام.
56 – هذا المذكور من الطعام المرّ والماء الحارّ هو ضيافتهم التي يُسْتَقبلون بها يوم الجزاء.
57 – نحن خلقناكم -أيها المكذبون- بعد أن كنتم عدمًا، فهلَّا صدَّقتم بأنا سنبعثكم أحياء بعد موتكم؟!
58 – أفرأيتم -أيها الناس- ما تقذفونه من المني في أرحام نسائكم؟!
59 – أأنتم تخلقون ذلك المني، أم نحن الذين نخلقه؟!
60 – نحن قدرنا بينكم الموت، فلكل واحد منكم أجل لا يتقدم عليه ولا يتأخر، وما نحن بعاجزين.
61 – على أن نبدل ما أنتم عليه من الخلق والتصوير مما علمتموه، وننشئكم فيما لا تعلمونه من الخلق والتصوير.
62 – ولقد علمتم كيف خلقناكم الخلق الأول، أفلا تعتبرون وتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على بعثكم بعد موتكم؟!
63 – أفرأيتم ما تلقونه من البذر في الأرض؟!
64 – أأنتم الذين تنبتون ذلك البذر، أم نحن الذين ننبته؟!
65 – لو نشاء جعْل ذلك الزرع حطامًا لجعلناه حطامًا بعد أن أوشك على النضج والإدراك، فظللتم بعد ذلك تتعجبون مما أصابه.
66 – تقولون: إنا لمعذبون بخسارة ما أنفقناه.
67 – بل نحن محرومون من الرزق.
68 – أفرأيتم الماء الذي تشربون منه إذا عطشتم؟!
69 – أأنتم أنزلتموه من السحاب في السماء، أم نحن الذين أنزلناه؟!
70 – لو نشاء جعْل ذلك الماء شديد الملوحة لا يُنْتَفع به شربًا ولا سقيًا لجعلناه شديد الملوحة، فلولا تشكرون الله على إنزاله عَذْبًا رحمة بكم.
71 – أفرأيتم النار التى توقدونها لمنافعكم؟!
72 – أأنتم الذين أنشأتم الشجرة التي توقَد منها، أم نحن الذين أنشأناها رفقًا بكم؟!
73 – نحن صيّرنا هذه النار تذكرة لكم تذكركم بنار الآخرة، وصيّرناها منفعة للمسافرين منكم.
74 – فنزِّه -أيها الرسول- ربك العظيم عما لا يليق به.
75 – أقسم الله بأماكن النجوم ومواقعها.
76 – وإن القَسَم بهذه المواقع -لو تعلمون عظمه- لعظيم؛ لما فيه من الآيات والعبر التي لا تنحصر.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دلالة الخلق الأول على سهولة البعث ظاهرة.
• إنزال الماء وإنبات الأرض والنار التي ينتفع بها الناس نعم تقتضي من الناس شكرها لله، فالله قادر على سلبها متى شاء.
• الاعتقاد بأن للكواكب أثرًا في نزول المطر كفر وهو من عادات الجاهلية.
(1/536)
77 – إن القرآن المقروء عليكم -أيها الناس- قرآن كريم؛ لما فيه من المنافع العظيمة.
78 – في كتاب مَصُون عن أعين الناس، وهو اللوح المحفوظ.
79 – لا يمسّه إلا الملائكة المطهَّرون من الذنوب والعيوب.
80 – مُنَزَّل من رب الخلائق على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -.
81 – أفبهذا الحديث أنتم – أيها المشركون – مكذبون غير مصدقين؟!
82 – وتجعلون شكركم لله على ما رزقكم به من النعم أنكم تكذبون به، فتنسبون المطر إلى النَّوْء، فتقولون: مُطِرنا بنَوْء كذا ونَوْء كذا؟!
لما ذكر بعض أدلة البعث أراد أن ينبه على قدرته على الإعادة بالإشارة إلى عجزهم عن دفع الموت، فالذي أمات قادر على أن يحيي.
83 – فهلَّا إذا وصلت الروح الحلقوم.
84 – وأنتم في ذلك الوقت تنظرون المُحْتَضِر بين أيديكم.
85 – ونحن بعلمنا وقدرتنا وملائكتنا أقرب إلى ميتكم منكم، ولكن لا تشاهدون هؤلاء الملائكة.
86 – فهلَّا – إن كنتم، كما تزعمون، غير مبعوثين لمجازاتكم على أعمالكم -.
87 – ترجعون هذه الروح التي تخرج من مميتكم إن كنتم صادقين؟! ولا تستطيعون ذلك.
88 – فأما إن كان الميت من السابقين إلى الخيرات.
89 – فله راحة لا تعب بعدها، ورزق طيب، ورحمة، وله جنة يتنعم فيها بما تشتهيه نفسه.
90 – 91 – وأما إن كان الميت من أصحاب اليمين فلا تهتمّ لشأنهم، فلهم السلامة المكذبين بما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – الضالين عن الصراط المستقيم.
93 – فضيافته التي يستقبل بها ماء حارٌّ شديد الحرارة.
94 – وله احتراق بنار الجحيم.
95 – إن هذا الذي قصصناه عليك -أيها الرسول- لهو حق اليقين الذي لا مِرْية فيه.
96 – فنزِّه اسم ربك العظيم، وقدِّسْه عن النقائص.